ن أزمة الشباب تختلف شكلاً ومضموناً وعمقاً بحسب المجتمع الذي ينشأ الشاب فيه، ويعكس ، بالتالي ، في أزمته الظروف الاجتماعية التي ينشأ فيها.
هناك تغيّرات تحدث داخل الشاب ، تؤثّر ، لكن الأثر الكبير إنّما مردّه إلى طريقة تعامل المجتمع مع الظروف التي أدّت إلى تحوّل الأشبال إلى مرحلة الشباب . غالباً مايكون التغيّر الفيزيولوجي غامضاً ، حيث لم يعد الشاب يعامَل معاملة الطفل ، وبالوقت نفسه لايُسمح له بإبداء الرأي وبالمشاركة في أعمال الكبار ، فيشعر الشاب بالاغتراب لأنّه لايعرف من هو بعد أن أُخرج من مرحلة الطفولة وأساليب التعامل معها ، في حين لايُعامل معاملة الراشدين فيشعر بأنّه هامشي غير مرغوب به .
إن حاجات الشاب تتوزّع على الشكل الآتي :
1 - حاجات فيزيولوجية : تتكون من دوافع متنوعة تحتاج إلى إشباعها .
2 - حاجات نفسية : تتطلّب فهم الذات وتقبّلها وفهم الآخرين لها بمنح الشاب استقلالاً نسبياً لاتّخاذ القرارات الهامة التي يكون لها دور رئيس في تقرير مصيره ، وفي تشكيل سيرة حياته .
3 - حاجات اجتماعية : تتركّز في قبوله بمجتمع الراشدين ، ومنحه الحب ، ومنحه فرصةً لتأكيد الذات من خلال عمل مهم يقوم به للمجتمع .
لكن الإحباطات التي يعانيها على الصُعُد المختلفة ، تؤثّر في توجّهاته ، وفي طريقة تعامله مع العالم الخارجي الذي يبدو عدائيّـاً في كثير من الأحيان .
إن الوضع المربك للشاب العربي تشكّل من وضع العرب غير المرضي لطموحه ، فلا هو ينتمي إلى دولة قوية تستطيع مجابهة التحديات العالمية ، ولا هو يأخذ فرصته في السعي إلى تحقيق ذلك .
هذا فضلاً عن ملاحظته وجود فئات اجتماعية متفاوتة ومتناحرة في مجتمع استهلاكي يعاني من بيروقراطية تعيق حركة الشباب هذا في حين أنهم يلاحظون تقدّم العالم علمياً بشكل كبير ، في حين أنهم ورثوا حيرتنا بين التراث والغرب .
إن السرعة المتزايدة في التقدّم التكنولوجي المستجلَب من الخارج يربك شبابنا ، لأننا لم نستعد كفاية للتكيّف مع هذا التقدّم في منظومة قيم مناسبة ، كما أننا نكتفي باستيراد منجزات العلم الحديث من غير أن نتمكّن من امتلاك مفاتيح أسراره .
وهذا يتركنا عرضة للاستلاب والتبعية الدائمة لمن يمتلك - في أي وقت - إرسال فيروس يشلّ كل التقنيات التي ننعم بها ( بفضل ) مايقدّمه الغرب من ( فتات ) لنا ، خاصة من المصانع أو الأسلحة التي ترغب الدول المتقدّمة في التخلّص منها .
هذا في حين أننا نطالب الشباب بالتعلّم موضّحين أهمية العلم وضرورته ، ثم نسد بوجوههم الطرق إليه .
نطالبهم بالحصول على معدّلات عالية خلال سنة واحدة ( تاسع ) ( ثانوية عامة ) من خلال امتحانات إرهابية تجعل المعلم والتلميذ خصمان لامتعاونان لإنجاز المهمة التعليمية . نمنع التعليم الخاص والدورات .. في حين يتّجه العالم إلى التعليم عبر الانترنيت والجامعة المفتوحة وحرية اختيار الكليّة .
إن اختيار الكليّة للشاب لايعني أننا نجعله بارعاً في مجال ما ، يبقى اختياره ، وله أن يبحث عن مهنة مناسبة واختصاص مناسب . إن انشتاين الذي كان كسولاً في دروس الحساب برع في الرياضيات ، ولو أننا أطّرناه تَبَعاً لدراسته لما استطعنا معرفة شيء عن النسبية .
إن معظم المواد الدراسية لاتعبّر عن اهتمامات الشباب ولا تجيب عن الأسئلة الملحّة التي يفكّرون بها ، ولا تتيح لهم فرصة لفهم الواقع .
بل تقدّم إليهم المعلومات وكأنّها شيء صحيح ونهائي ولا نقاش فيه ، وهم ملزمون بطباعته في الذاكرة للحصول على أكبر قدر من العلامات ، ثم يلقون به خارج أدراج الذاكرة بعد ذلك ، لأنهم تدربّوا على أن مهمّة الحفظ تنتهي بالحصول على نتائج الامتحانات .
كما أن اختبار الذاكرة لايجدي في عصر نحتاج فيه إلى ملكات العقل الأخرى لنصل إلى مرحلة الابتكار ، وامتلاك القدرة على إيجاد الحلول لمشكلاتنا .
تتعامل المدرسة مع الشاب بوصفه ( مجموعاً ) أو رقماً حسابياً لاغير ، ولا يشعر الشاب أنه متميّز فيها .
وبعد أن ينجز الشباب مهمّة الحصول على العلامات ، ويتوزّعون في الفروع الجامعية والمعاهد التي رُسمت لهم ، ويتخرّجون فيها ، يجد كثير منهم أنفسهم عاطلين عن العمل . وإذا وجد فإن العمل الذي يُتاح لهم لايناسب استعداداتهم وخبراتهم وميولهم ، بل كثيراً مايتعارض معهم . ويصبح العمل - حينذاك - نوعاً من التعذيب . ويقابل الشاب العمل - تدريجياً - باللامبالاة .
وهكذا فإننا ننتج حرفيين بلا وعي أو شعور بالمسؤولية ، وغير قادرين على ربط النظرية بالعمل أو بالواقع العملي .
وهم - أيضاً - يعانون من فقدان الثقافة التي يحتاجونها في مراحل تغيّراتهم العمريّة.
فلا تُقدّم لهم ثقافة جنسية ، وهم بأمس الحاجة إليها ، فيتبادلون المعلومات الخاطئة سرّاً ، وسط شعور بأنّ مجتمع الكبار لايبالون بمشكلاتهم ولا يعيرونها أي انتباه .
وبدلاً من ذلك يُرهَق الشباب بمواد ، يعرف المدرّسون والتلاميذ بأنها حُشرت في المناهج من دون أدنى فائدة ، في حين وُضعت برامج لأنشطة فنيّة وثقافية ورياضية من غير أن يُعنى أحد بها ، لأنها لاتدخل في المجموع العام المطلوب للشهادات ، والشهادات التي تتطلّب مجاميع عالية تخلو من هذه المواد ، فلِمَ يضيّع الأساتذة والتلاميذ أوقاتهم بها ؟!
إن أزمات مجتمعنا العربي هو السبب الرئيسي في تفريخ أزمات الشباب ، حيث لم يعد للتعليم جدوى في نظر الشباب وإنما الشهادة هي الشيء المطلوب ، وهذا يؤدّي إلى تهاوي أحلام الشباب في العمل المنتج المحبّب ، ويتهاوى الحلم في وجود أمة عربية موحّدة في ظل تقسيمات طال أمدها من دون أي تغيير أو تقدّم .
لقد حلم الشباب طويلاً بسعة الرزق بعد التخرج ، وبتكوين أسرة آمنة ، ثم لاحظوا أن ذلك يتطلّب معجزة إلهيّة . نقول للشباب: نعمل من أجلكم ، أنتم المستقبل ، وهم يرون أننا نستخدمهم أدوات لتنفيذ مايصبو إليه الكبار .
والواقع إنّ تغيّرات الشباب ليست أزمة لايمكن تفاديها ، على الصعيد النفسي الذاتي للشاب ، إذا تمكنّا من ضبط المحيط بشكل يتلاءم مع المتغيرات . وذلك بالابتعاد عن الضبط القسري الصارم ، والتعامل بمرونة ومحبّة ، وبشكل صريح وواضح وفي إزالة التعارض بين القيم المعلنة والسلوك الفعلي ، وعدم التفريق بين الاختصاصات الدراسية بطريقة تُشعر بعض الشباب بالاستعلاء وبعضهم الآخر بالدونيّة .
لابد من احترام مختلف المهن ، والمساواة في المعاملة ، بصرف النظر عن الترتيب في العائلة . والنظر إلى قضايا الجنس والحياة والعمل على أنها موضوعات علمية تهم الصغار والكبار ، وليست محرّمة على أحد ، وإلغاء السريّة على بعض الحقائق الجنسية والبيولوجية التي يريد أن يعرفها الأطفال والشباب ، وتعليم الشباب الاعتماد على النفس بلا قسر أو تدليل . والشدة مطلوبة هنا في جعل الشاب يتحمّل تبعات اختياراته ، من غير السعي إلى تقديم مايحتاجه على طبق من ذهب ، ومن غير أن يشعروا بلامبالاة المجتمع الذي يزجّ بهم في معترك الحياة من غير أن يراعي أوضاعهم واختلافاتهم الفرديّة .
بل لابد أن نوضّح للشاب أنّه أصبح في مرحلة أخرى من حياته ، تحتاج تدريبات مناسبة ومهارات خاصّة . إن أزمات الشباب هي مسؤولية مجتمع الكبار ، بالدرجة الأولى ، ولكنّ الحل لايكون بأن نرسم لهم مانريده نحن ، بل بأن نقدّم لهم مفاتيح صحيحة لفهم العالم والتعامل معه ، وبأن ندرّبهم على أسلوب التفكير الحرّ الذي يستطيع أن يستوعب المشكلات ويستنبط الحلول اللازمة لها .
وبغير ذلك لانستطيع وصف الشباب المشاغب أو المتمرّد بالانحلال ، ولن يحقّ لنا اتّهامه بالفساد ، لأنّه - بطريقة أو بأخرى - يحاول أن يفرّغ شحناته وطاقاته الهائلة بطرائقه الخاصة ، مادمنا لانساعده نحن على ذلك ولا نتيح له الفرصة ليكون فاعلاً في مجتمعه .
إنّ التغريب والاغتراب والصراع النفسي ، أمور نزجّ بها نحن في طريق الشباب حين لانمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بوسائل مشروعة ، فيها كثير من الحب ، وقليل من الحزم اللازم للضبط الاجتماعي .